شكل “منتدى موريتانيا للاستثمار” الذي استضافته نواكشوط تظاهرة اقتصادية استثمارية عربية غير مسبوقة سواء بحجم المشاركة أو بنوعية المشاركين من معظم البلدان العربية وبخاصة الخليجية منها.
فقد استقطب المنتدى أكثر من 700 مشارك وسط حضور رسمي موريتاني رفيع المستوى تمثل برئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، والعديد من الوزراء والمسؤولين، يوازيه حضور عربي كثيف ومتميّز يتقدّمه وزير المالية السعودي د. إبراهيم العساف وعدنان القصار رئيس اتحاد الغرف العربية.
وشكّل المنتدى حدثاً عربياً – إفريقياً من خلال مشاركة رئيس اتحاد شركات الكونغو والرئيس الدائم للغرف الإفريقية الفرنكوفونية ألبير يوما موليمبي.
مجموعة الاقتصاد والأعمال التي لعبت دور المبادر في تنظيم هذا المنتدى بالتعاون مع الحكومة الموريتانية تلقت من جميع الوفود المشاركة ترحيباً بتحويل هذا المنتدى إلى حدث دوري يتكرر سنوياً استجابة للمناخ الاستثماري المشجع الذي وفرته الحكومة الموريتانية، وللفرص الكثيرة والمتنوعة التي تختزنها الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
الرئيس الموريتاني
رئيس جمهورية موريتانيا محمد ولد عبد العزيز ثمّن وجود هذا الحشد المميز من الشخصيات الإقتصادية وقادة الأعمال والإستثمار المشاركين في المنتدى، ورأى في حضورهم هذا مشاركةً للموريتانيين طموحهم المشروع في تحويل مقدرات بلدهم الإقتصادية الهائلة إلى استثمارات مربحة تعود بالنفع العميم على كل الأطراف، وتدفع بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية وتسرّع وتيرة النمو كما قال. وسجّل تفاؤله وارتياحه نتيجة هذا الإقبال الواسع الذي شهده المنتدى.
كما رحّب رئيس الجمهورية الموريتانية بمشاركة وزير المالية السعودي د. إبراهيم العساف كضيف شرف المنتدى على رأس وفد هام من قيادات المؤسسات الحكومية والشركات السعودية المعنية بالإستثمار. ورأى أن هذا يعكس عمق العلاقات الأخوية العريقة والوطيدة التي تربط موريتانيا بالمملكة العربية السعودية.
كما أشار إلى أن موريتانيا تستحق بكل جدارة أن يُطلق عليها إسم “بلد المليون فرصة إستثمارية”، وهي المعروفة أصلاً بـ “بلد المليون شاعر” بالنظر إلى موروثها الحضاري وتراثها الثقافي وعطائها الأدبي.
ولفت أيضاً إلى قناعة موريتانيا التامة، قيادةً وشعباً ومجتمع أعمال، بأن الإستثمار الخاص هو المحرك الحقيقي لأية نهضة تنموية. وقال “إن هذا ما جعلنا نعمل خلال السنوات الأربع الأخيرة على توفير المناخ الجاذب للإستثمار من خلال تأمين حدودنا، وبسط الأمن على كامل التراب الوطني، ثم عبر تحقيق التوازنات الإقتصادية الكبرى وتدعيمها، وإرساء قواعد الشفافية والنزاهة وإصلاح القضاء وتطوير البنية التحتية علاوة على سن القوانين المحفزة للإستثمار والحامية لحقوق المستثمرين، وإيلاء عناية خاصة لتنمية الموارد البشرية”، مؤكداً أن موريتانيا اليوم تشجع الإستثمار وتضمن للمستثمرين حقوقهم غير منقوصة.
ضيف شرف المؤتمر
وزير المالية السعودي د. إبراهيم عبد العزيز العساف الذي كان ضيف شرف المنتدى أشار إلى أن الاقتصاد العالمي مر خلال الفترة الماضية بأزمة مالية اثرت سلباً على النمو الاقتصادي العالمي، ولا زال الكثير من اقتصادات العالم تعاني تداعيات هذه الازمة المتمثلة بضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وبروز ازمات الغذاء والتضخم. ولم تكن البلدان العربية بمعزل عن تلك التداعيات السلبية، إلا أن ما اتخذته هذه الدول من سياسات، وتعاونها فيما بينها ودعمها التنموي لبعضها البعض اسهم في تخفيف التداعيات السلبية لهذه الازمة. بالمقابل لفت إلى ما تنعم به موريتانيا من استقرار سياسي واجتماعي، وما تشهده من إصلاحات تشريعية واقتصادية لتحسين مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال. وأشار في هذا السياق إلى اشادة صندوق النقد الدولي بالأداء القوي للاقتصاد الموريتاني لعام 2013، وتحسّن السيولة في النظام البنكي مع تعزيز التدابير التنظيمية والرقابية، وتوقعاته باستمرار الأداء الاقتصادي القوي لهذا العام بمعدل 6.5 في المئة مدفوعا بالأداء القوي في قطاعات التعدين والزراعة والخدمات، وبالتحكم بالضغوط التضخمية ومواصلة تحسين الحوكمة والشفافية في القطاع العام، ودعم القطاع الخاص وتعزيز النمو الشامل. وقال: لقد أثبتت التجارب العالمية ان تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة يتطلّب اتباع سياسات اقتصادية كلية ومالية ونقدية محفزة، ومن اهم هذه السياسات الاستثمار في البنى التحتية التي تسهم في تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد البشرية والطبيعية المتوفرة، وكذلك الاستثمار في القطاعات المنتجة وتطوير قدراتها التنافسية محلياً وخارجياً من خلال توفير البيئة الاستثمارية المؤاتية.
هذا وأكد العساف حرص المسؤولين ورجال الأعمال في المملكة العربية السعودية على تنمية العلاقات الاقتصادية مع موريتانيا، ودعم الاستثمارات المشتركة، مشيراً إلى قناعة واهتمام رجال الاعمال السعوديين، وأيضاً الخليجيين والعرب عموماً، بالاستثمار في موريتانيا وبناء شراكات استثمارية خاصة في ظل الدعم الحكومي والمناخ الاستثماري المحفز. ودعا المؤسسات والهيئات والصناديق التنموية العربية والإقليمية وكذلك الشركات العربية المشتركة المتخصصة إلى دعم جهود موريتانيا التنموية والاستثمار في الفرص الاستثمارية المتاحة. وأشار وزير المالية السعودي إلى الدعم الذي قدمته المملكة لهذه الأخيرة من خلال الصندوق السعودي للتنمية، حيث بلغت المنح والمعونات التنموية وتسهيلات تمويل الصادرات حوالي (2,270) مليون ريال.
مبررات الإستثمار في موريتانيا
وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية في موريتانيا د. سيدي ولد التاه عدّد سبعة مبررات للإستثمار في موريتانيا: أولاً، الإستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به البلاد. ثانياً، الإرادة السياسية القوية لرئيس الجمهورية لتشجيع الاستثمار. ثالثاً، الإستثمارات المعتبرة التي انجزتها الدولة الموريتانية خلال السنوات الاربع الاخيرة في مجال تطوير الموارد البشرية خصوصاً في المجالات العلمية وميادين التكوين المهني والفني بما فيها مجالات الهندسة والمعادن والتقنيات الجديدة. رابعاً، النمو الاقتصادي القوي والمطرد حيث حققت موريتانيا اعلى نسبة نمو اقتصادي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. خامساً، المنظومة القانونية الجديدة المتعلقة بالاستثمار، من بينها: مدونة الاستثمار، قانون المنطقة الحرة، مدونة الصفقات العمومية، المدونة المعدنية. سادساً، الانجازات الكبيرة التي تمت في مجال البنية التحتية من مياه وكهرباء واتصالات وموانئ وطرق ومطارات. سابعاً، امتلاك موريتانيا موارد طبيعية كبيرة من حيث الثروة المعدنية والسمكية والحيوانية، علاوة على مؤشرات مشجعة في مجال النفط والغاز.
أكثر من 700 مشارك
واعتبر الرئيس التنفيذي لمجموعة الإقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي أن مشاركة أكثر من 700 شخصية حكومية وخاصة في المنتدى، على رأسها ضيف الشرف الوزير د. إبراهيم العساف، وقيادات الغرف وهيئات التمويل الدولية والعربية عامة والسعودية خاصة، هو دليل آخر على مدى الإهتمام بموريتانيا كدولة عربية فاعلة وواعدة تشكل خط دفاع عربي اقتصادي أمامي إستراتيجي. وانعقاد المنتدى في ظل الظروف السياسية الصعبة التي يمر بها العالم العربي يشكل بحد ذاته إنجازاً كبيراً، لاسيما وأنه الأول في موريتانيا البعيدة جغرافياً والقريبة صلاتٍ وعاطفة، كما قال.
وأضاف أنه من الإنصاف القول بأن هذا المنتدى لم يكن لينجح لولا رعاية ودعم معالي وزير المالية السعودي د. ابراهيم العساف. وهذا يعكس مدى اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بموريتانيا أسوةً باهتمام المملكة بجميع الدول العربية والإسلامية.
إلى ذلك اعتبر أبو زكي أن اهتمام مجموعة الإقتصاد والأعمال بموريتانيا وترويج الإستثمار فيها ينبع من اهتمام المجموعة بتشجيع الإستثمار في كافة البلدان العربية ومن بينها موريتانيا التي هي بأمس الحاجة إلى الرساميل والإستثمارات الخارجية. وأمل في ضوء النجاح الكبير للمنتدى في دورته الأولى بأن يصبح حدثاً دورياً يجمع المسؤولين ورجال الأعمال والمؤسسات الإستثمارية والصناديق العربية، لمتابعة نمو الإقتصاد الموريتاني وللنظر في المشاريع المخططة والمتاحة، وبحث كافة القضايا المتعلقة بالإستثمار والأعمال وتطور البيئة المحيطة بالنشاط الإقتصادي عامة في هذه الدولة العربية الغنية بالفرص الواعدة المطلة على المحيط الأطلسي.
دعم “الإسلامي للتنمية”
نائب الرئيس للمالية في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية د. عبد العزيز الهنائي نوّه بالقفزة التي حققها الإقتصاد الموريتاني حيث بلغ النمو نحو 7 في المئة خلال العام 2013، وارتفع مستوى الاستثمار الى 42 في المئة من الناتج القومي الاجمالي. وهذا مع احتواء نسبة التضخم في حدود 5 في المئة.
ورأى في كل هذه المكاسب بشائر بأن المميزات الاقتصادية والطبيعية لموريتانيا حافلة بالوعود، خصوصاً مع موقعها الاستراتيجي الذي يمثل حلقة وصل بين شمال الصحراء وجنوبها. وتُعد هذه المنطقة من أسرع مناطق العالم من حيث وتيرة النمو.
وعليه أكد أن البنك الاسلامي عازم على مواكبة جهود الدولة الموريتانية ومؤازرتها لتحسين الأهبة للاستثمار، وتهيئة البيئة الاقتصادية نحو المزيد من الجاذبية للمستثمرين. وأشار الهنائي إلى أن مجموع عمليات البنك المعتمدة حتى تاريخه زاد عن 770 مليون دولار، لافتاً في الوقت عينه إلى أن وثيقة الشراكة الاستراتيجية للفترة 2011 – 2015 ترمي الى تحقيق مستوى عمليات يضاعف هذا المبلغ خلال الفترة الخمسية للوثيقة. وسيكون لحوافز الاستثمار، وللاستثمار نفسه، نصيب وافر في هذه الاستراتيجية.
بلد الفرص الواعدة
من جهته نوّه رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة العربية عدنان القصار بالنهضة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة في موريتانيا، لافتاً إلى موقعها الجغرافي المتميز كحلقة وصل بين المحيط الأطلسي وافريقيا الشمالية وجنوب الصحراء لتكون قبلة أنظار المستثمرين كما قال، خصوصاً مع مواردها الطبيعية الهائلة المستغلة مثل الحديد والنحاس والذهب والجبس، وغير المستغلة لغاية الآن مثل الفوسفات والكبريت والنفط. كل هذا إلى جانب توافر الفرص في مجالات السياحة والصناعات الزراعية والغذائية والصناعات الكيماوية وغيرها.
ورأى القصار أن على مجتمع الأعمال والمستثمرين العرب أن يوسّع معرفته بالامكانات الاقتصادية والاستثمارية الكبيرة والمتنوعة في موريتانيا، خصوصاً في ظل البيئة الاستثمارية المشجعة والداعمة. وهنا أشار القصار إلى أن الاستثمارات الخارجية المباشرة تضاعفت مرتين بين عامي 2011 و 2012 لتصل إلى 1.2 مليار دولار. وكل ذلك كان نتيجة العديد من الاصلاحات البناءة التي جرت خلال السنوات القليلة الماضية لترقية مناخ الاستثمار، من خلال تنفيذ اصلاحات مؤسسية عميقة واقامة مؤسسات جديدة لرعاية الاستثمار وفتح المجال لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاعات المياه والكهرباء والنقل.
أفريقيا بانتظار المستثمرين العرب
وكان لكلمة رئيس اتحاد شركات الكونغو، والرئيس الدائم للغرف الأفريقية الفرنكوفونية، ألبير يوما مولمبي – Albert Yuma Mulimbi – وقع طيب في أوساط الحضور. فقد لفت إلى “أن المستثمرين الخليجيين والعرب الذين نريد جذبهم إلى افريقيا موجودون اليوم في مؤتمر موريتانيا للاستثمار، منوهاً بمبادرات الحكومة الموريتانية المهمة خصوصاً في المجالات الاقتصادية المختلفة.
وشدّد على أن تنمية افريقيا ستكون على يد أبنائها أنفسهم، وليس على يد المستثمرين الغربيين خصوصاً في ظل الصعوبات الاقتصادية الجمّة لدول غربية عديدة مثل بلدان المجموعة الاوروبية. ولفت في هذا الاطار إلى أن العمل مع الاوروبيين مثلاً غالباً ما تطغى عليه الشروط المفروضة من قبل هؤلاء، في حين أن لا شروط على الاطلاق في المشاريع بين الأفارقة والمستثمرين ورجال الاعمال العرب. ورأى أنه يجب البحث عن الاستثمارات والرساميل بين الأفارقة والعرب أنفسهم، وليس انتظار تلك الاستثمارات والرساميل من الخارج. وهنا يأتي دور موريتانيا كجسر للتعاون بين الحكومات العربية والافريقية، كما بين المستثمرين العرب وأندادهم في القارة السمراء.