بيروت – رولا حميد
بعد نحو عام، تنطلق من شاطيء طرابلس أول جزيرة سياحية عائمة متحركة في التاريخ. كأننا اليوم أمام الروايات التي تحدثت عن انطلاق الفينيقيين في سفينة حاملة الأبجدية إلى العالم. لكن الجزيرة العائمة المنطلقة إلى شطآن العالم كافة، عملها سياحي بامتياز، فهي منتجع من فنادق وصالات أفراح ومسابح، ومطاعم وصالات رياضة وترفيه متعدد الأوجه. تتميز عن الناقلات السياحية بأن أرضيتها تتوازى مع سطح المياه، فتشكل بذلك شاطئا عائما يمكِن المقيمين عليها من النزول إلى المياه كما ينزل السباحون على الشطآن البرية، ويخرجون من المياه إلى البر المتنقل دون عناء ولا وسائط رفع ونقل.
تبدو فكرة الجزيرة العائمة بسيطة في مدلولاتها، لكن فكرتها، بحسب مؤسسها الدكتور عبدالله ضو، “علم جديد بالكامل، متكامل ومعقد، ويختلف عن بقية العلوم البحرية ولا يمت لها بصلة”. ويضيف إنه “علم بدأنا تطبيقه في الجزيرة التي يجري بناؤها في ميناء طرابلس بعد أكثر من ١٥ سنة من الأبحاث والتطبيقات النموذجية المصغرة”.
بدأ ضو يفكر بالجزر العائمة أوائل الثمانينات، ثم أجرى تطبيقات عليها، ويفيد إنه “عندما وصلنا بتجاربنا إلى نتائج ناجحة، وقناعة عملية تامة، بدأنا عملية بناء الجزيرة عام ١٩٩٧“.
ويفصل ضو تكاوين الجزيرة، فيقول إن “طولها ٧٦ مترا وعرضها ٤٨ وزنتها ٦٤٠٠ طن، ولا تتأثر بالأمواج كالسفينة لأنها ليست مقفلة كالسفن. وستتحرك بأربعة محركات”.
ويتابع في وصفه: “مساحتها ٣٦٠٠ متر مربع تقريبا، لكن المساحات التي ستستخدم عليها في طبقاتها الأربعة تبلغ ١٣ ألف متر مربع، وستضم فندق ٧ نجوم، مكون من ٥٢ غرفة، بالإضافة إلى ٧٨ غرفة تحت الماء، مع أحواض للسباحة، وناد ليلي، وصالة للأفراح تتسع لحوالي١٢٠٠ شخص، ويزيد محيط شاطئها عن ال٢٠٠ متر طولا (ما يقارب ٢٢٨ متر)، ومجموعة مطاعم منها الشرقي ومنها الغربي، وسوقا، و مهبطا للمروحيات. وهي من سبعة طبقات فوق المياه، وطابق تحت الماء”.
تتأسس الجزيرة حاليا على بقعة أرض في مصنع لبناء وترميم السفن في ميناء طرابلس، ويفيد ضو إن “ما يجري تنفيذه حتى الآن هو الاساس تحت الماء بارتفاع سبعة امتار، بينما يبلغ الارتفاع الكلي للجزيرة ٣٢ مترا”.
ويتحدث عن صفة تميز الجزيرة عن السفينة وهي مركز الجاذبية فيها الذي يقع تحت مستوى سطح المياه، مما يجعلها ثابتة وغير قابلة للانقلاب أو الغرق مهما قست الظروف. ومقارنة مع السفن بمختلف أحجامها، فإن مركز الجاذبية في السفن يقع عند نقطة عليا فوق سطح المياه”.
عن قدرة المواد المستخدمة في أساسات الجزيرة، يوضح ضو أن “نوع الحديد المستخدم هو خاص، وأول مرة يستخدم في منطقتنا”، وهو حديد ٤٦٠ أم بي آي (MPA)، متين خاص للبحر، بحسب معايير الاتحاد الأوروبي.
إلى جانب الورشة القائمة في طرابلس، هناك ورشة في جونية، حيث يقوم مركز الشركة التابعة لضو، وهي شركة متخصصة بصناعة الجزر العائمة، والمراكب المتعددة الغواطس، والفايبر غلاس، وفيها تجري صناعة الأقسام المعتمدة على الفايبرغلاس المقوى.
كما أن هناك ورشتان أخريان في كل من بلدتي قبرشمون وبيصور الشوفيتين، ويجري فيهما تحضير القساطل والمستوعبات المائية التي تعمل على تثقيل أو تخفيف زنة الجزيرة بغية ضبط تعويمها بنسبة معينة عند الحاجة التي تختلف وفق اختلاف الظروف.
ضو يؤكد حبه للصناعة، ويأسف لأن العالم العربي يفتقد إلى العقل الصناعي، وانطلاقا من قناعته تلك يقول: “قررت ان انفذ المشروع في لبنان، على امل أن تتحول الفكرة إلى صناعة كبرى، ولا يوجد سقف لحجم هذه الصناعة، وهي تشغل اعدادا كبيرة من العمال”. مع العلم أن مايزيد على ٤٠٠ فني ومهندس وعامل يعملون في تنفيذ الجزيرة، بينما ستشغل أعدادا كبيرة من الناس بعد إنجازها، وذلك في نطاق الخدمات التي ستؤديها”.
واستطرد:”ربما تعطي الورشة الصناعية الكبيرة لبناء الجزيرة عبرة لتوحيد البلد، لأن المناطق التي تشتغل في تنفيذها تنتمي إلى مختلف المشارب الطائفية التي على أساسها انقسم البلد سياسيا أكثر من مرة ولا يزال، ومن شأن الصناعة عملانيا، وكما هو ظاهر من خلال الورشة القائمة، تجاوز الانقسامات المذهبية، وإعادة توحيد المجتمع على أسس المصلحة الوطنية العليا المتمثلة بصناعة وطنية كبيرة ينخرط فيها أبناء الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم الشخصية، ومنقذة للبلد من مختلف أزماته”.
يؤمن ضو بقوة العقل، وأهمية الصناعة، ويقول: “العقل العادي، والحس السليم، هما اللذان يؤهلان الانسان لعمل شيء ما، ونأمل أن يعود العقل العربي إلى خريطة الإبداع والانجاز الحضاري في العالم، وأن يكون لدى أبنائنا ثقة بأنهم إذا استخدموا عقولهم أمكن لهم صنع شيء مفيد، والجزر العائمة تحمل أن يستثمر فيها في كل بلاد العرب”.
يذكر أن تكاليف الجزيرة، بناء على إفادة ضو، تبلغ ١٣٢ مليون دولار أميركي، والمشروع موله الأمير السعودي طلال، نجل علي الشاعر، سفير المملكة العربية السعودية في لبنان سابقا.